صفحات سوداء في حياة مراهق (قصة)
المراهقة سن الشتات والغضب......
سن يصبح الشخص غريباً في نظر عينيه والعالم من حوله غريب.....
عندما يبدأ الجسم بالنضوج وتبدأ علامات الطفولة تنسحب لتأخذ الرجولة مكانها تبدأ العقلية والنفس باللحاق بركب البلوغ......
ومن كان بالأمس ينظر إلى العالم بعيون ملئها البراءة أصبح الآن يدرك ما يجري من حوله بعقلية من يرى الحقيقة على ما هي عليه......
وعندما تسقط الأقنعة...... يظهر وجه الحقيقة البشع .....
..
أمسك مازن بيدي وليد من الخلف وقيدهما بشماغه......كان وليد آنذاك ممداً على وجهه في السيارة.....
قال وليد والذي كانت رائحة السكر تفوح منه: مازن وش تسوي؟؟
قال مازن: شي راح يعجبك......
وضع مازن ركبته على ظهر وليد ومن ثم سحبه من غرته....
قال وليد صارخاً: مازن!!!!
وضع مازن السكين على عنق وليد ونحره من الوريد إلى الوريد.....ثم قلب وجه وليد إليه حتى يراه ينازع الموت وحتى يكون آخر وجه يراه هو وجه الشخص الذي قتله منذ عشر سنوات......أخذ مازن يتلذذ وهو يسمع حشرجة الهواء في قصبه وليد المنحورة ويرى عينيه تتقلب وجسمه يتشنج تحته حتى ارتخى وفارق الحياة......عندها بصق مازن في وجهه ونزل من السيارة......
أخذ زجاجة البلاك ليبل التي أحضرها وليد معه بناء على طلبه ثم أفرغها داخل السيارة على الجثة الهامدة وحل وثاقها وأضرم فيها النار......
وقف مازن ابن السادسة عشر يراقب السيارة تحترق مخفيه آثار جريمته ثم طوى السكين التي استخدمها ووضعها في جيب بنطاله الأسود ومشى......
كانت المسافة بعيدة من مكان الجريمة إلى أقرب طريق ولكن ذلك لم يزعج مازن بل أكمل مشيه حتى وصل إلى أقرب محطة حيث رمى السكين في أحد الحاويات.....
كانت الساعة تشير إلى الثالثة فجراً عندما وصل مازن أخيراً إلى منزله حيث تسلل دون أن يشعر به أحد وخلع بنطاله وقميصه الأسود وحذائه ووضعهم في كيس ورماهم في القمامة......كان قد إختار اللون الأسود حتى لا تبان عليه آثار الدم ولكنه مع ذلك قرر أن يتخلص من أي شيء يربطه بمسرح الجريمة......بعدها أخذ حماماً بارداً كبرود أعصابه وأغتسل جيداً ثم ذهب إلى فراشة وكأن شيئاً لم يحدث......
لم ينم سوى ساعتين......واستيقظ في تمام السادسة على صوت المنبه....
كان مازن يتيم الأم والأب ويعيش مع عمه سعد وزوجة عمه فاطمة وجل ما يحلم به هو اليوم الذي يدخل فيه الجامعة حتى يخرج من هذا المنزل البائس......
كان عمه يمن عليه بكل شيء بالرغم من أن مازن يعلم تماماً بأنه قد استولى على ثروة أبيه وسرقها زوراً......كان عمر مازن سنتان عندما مات أبوه وأمه في حادث....وانتقل عمه وزوجته للعيش في منزل أهله الكبير والذي تبلغ مساحته الثلاث آلاف متر مربع......كان المنزل الداخلي مؤلفاً من ثلاث طوابق ناهيك عن الملاحق والملاعب......وكان مازن يقطن في ملحق في طرف المنزل.......
لم يكن مازن يكره زوجه عمه لأنه لا ذنب لها فهي امرأة مغلوب على أمرها وكانت تعامله كما لو كان ابنها حتى أنها كانت تعطيه بعض المال خلسة ومن وراء زوجها...... كان يكره عمه والذي فوق سرقته لمال أبيه كان يعامله بمنتهى الحقارة والخسة.....
لم تحظى فاطمة بأطفال والسبب هو عقم عمه والذي رفض أن يطلقها وحرمها نعمه الأبناء بل ولامها هي على العقم.....لذلك كانت ترى في مازن الابن الذي حرمت منه.....
خرج مازن من المنزل وذهب إلى المدرسة الحكومية التي يرتادها......كان يدرس في المرحلة الثانوية ولم يكن له أصدقاء.....فمازن كان يميل إلى الانطواء والعزلة.....وكل من بصفه يرونه على أنه الإنسان الغامض والقليل الكلام.....أما معلميه فكل ما رأوه فيه هو التلميذ الذكي......فقد كان ينال كامل الدرجات في كل مادة ومنذ كان في الابتدائي لم ينافسه أحد على المرتبة الأولى.....
أما عن صفاته الجسمانية:
كان مازن صبياً جميلاً وجذاباً......بعيون سوداء واسعة وفم صغير وأنف قائم وملامح حادة وبشره فاتحه وجسم طويل ذا لياقة عاليه......ففي كل ليلة عندما يعود إلى المنزل يقوم بلعب كرة السلة في ساحة المنزل وعندما يجلس في غرفته يقوم بتمارين ال Push ups حتى يصل إلى نقطة الإجهاد......فقد كانت القوة الجسدية هي هوسه وله أسبابه.....
بعد أسبوع أكتشف أحدهم السيارة المحروقة في مكان ناء وبلغ السلطات......كانت النار قد أخفت معالم الجريمة وعندما رأت الشرطة علبه الكحول مرمية بجانب نافذة السيارة عزت الأمر على أن القتيل كان سكراناً ويدخن وعندما أغمي عليه من السكر فسقطت سيجارته لتشعل النار في السيارة......لذلك أغٌلق الملف على أنه حادث.....وبٌلغ أهل وليد بما حدث.....لم يستغرب أهل وليد الأمر فهم يعلمون تماماً إلى أي حد كان ابنهم منحلاً.....وكانت مسألة وقت قبل أن يجلب الأذى على نفسه.....
مرت سنه وكان مازن وقتها في الصف الثالث ثانوي عندما سمع صوت جدال بين عمه وزوجته فاطمة......
خرج مازن من الملحق ودخل المنزل ليرى عمه يضرب زوجته فحال بينهما......
قال سعد لمازن: أنت مالك دخل بيني وبين مرتي.....
نظر مازن لعمه بعيون ملئها الشرر مما جعله يتراجع ويذهب إلى غرفته في الدور العلوي فآخر ما كان يريده هو أن يسحق مازن عظامه الباليه من الهشاشة.....
وضع مازن يديه على كتفي عمته فاطمة وقال: يمه وش سوا بك ها الخسيس؟؟
كان مازن ينادي فاطمة بيمه لأنها هي الشخص الوحيد الذي حن عليه في حياته.....وبعدما حرم من أمه كانت فاطمة هي الأم الذي كبر في حضنها....
قالت فاطمة وهي تبكي: لا تقول كذا عن عمك....
قال مازن: عمى الله عيونه مثل ما عمى قلبه......لا تبكين تراه ما يسوى ها الدموع......والله لا أبكيه مثل ما بكاك.....
تشبثت فاطمة بأكمام مازن عندما قام ليلحق بعمه وقالت: لا يا ولدي......تكفى أنا طالبتك.....
قال مازن بحره لفاطمة: يمه لي متى وانتي تحملينه؟؟
قالت فاطمة: هذي قسمتي يا ولدي......هذا اللي كاتبه الله لي ولازم أتحمل.....
قال مازن بقهر: هذا ظلم.....والله ما يرضى بالظلم.....
وضعت فاطمة يديها التي رسمت عليها فرشة الزمن خطوطها العميقة على وجهها وأجهشت بالبكاء.....
لم يتحمل مازن رؤيتها في تلك الحال وجلس بجانبها ليهون عليها.....
قالت فاطمة والأسى يملئها: أفنيت عمري وشبابي عليه وبا الأخير وش طلعت به؟؟ لا ضنا ولا حياة حلوه......خمس وثلاثين سنه وأنا أكرف تحت رجلينه ولا عمري فتحت أفمي بكلمة......خذاني من بيت أهلي من القريات وأنا عمري خمس طعش وجابن معه لتبوك......منعن من الدرس وحرمن من شوفه أهلي يما ماتت أمي وأنا ما شفته......تحملت فقره يوم ما كان حيلته إلا ورشة وساكنين ببيت شعبي ويوم اغتنى لا أنا شفت بهاه ولا عمر الريال مشى بيدي......ولا طلبت منه فلوس لأني أدري اللي يلعب بهن هن فلوس يتيم......وأبيك يا ولدي تحلن...
قاطعها مازن قائلاً: لا تقولين كذا ما فيه أم تستسمح من ولده......
ثم قبل رأسها ويديها.....
قال مازن: بس وش صار اليوم؟؟
تنهدت فاطمة بمرارة وقالت: قال إني صرت كبيرة وإني أنا اللي حارمته من العيال ويبي يتزوج.....وما أمداني أقول شي إلا قب علي وقعد يشتم ويضرب.....
قال مازن بتقزز: ها الشايب المخيس يبي يعرس؟؟!!!
قالت فاطمة: يا وليدي لا تقول كذا هذا عمك......
قال مازن مستغرباً: ومن اللي تبي توافق على واحدن مثله؟؟ عمره فوق الستين الله يقصف عمره......
قالت فاطمة: قال انه خطب وخلص.....وعرسه بالعطلة.....
قال مازن: ولا يهمك منه يمه......يمكن خذا وحده مثله.....وبعدين وش انتي فاقده.....
قالت فاطمة: أخاف يطلقن.....وبعدين وين أروح أنا؟؟ مالي أحد بها الدنيا.....
قال مازن مطمئناً فاطمة: وأنا وين رحت؟؟
قالت فاطمة: انت بلشان بعمرك يا وليدي وما أبي أحملك همي وأنت ما انت ناقص.....
قال مازن: تبي تندبر يمه.....تبي تندبر....
تخرج مازن بتفوق ودخل الجامعة في قسم الطب البشري في الرياض.....ثم انتقل إلى هناك واشترك في شقه مع مجموعة من الشباب......
كانت ريما جلسة مع أمها في الصالون النسائي وكانت الموظفات يعملن عليهن فالليلة سيقام زفافها على سعد......
قالت أم ريما لابنتها: مثل ما قلت لك أحكمية من أول يوم...
قالت ريما بضحكة خبيثة: لا توصين حريص.....أنا ماخذته عشان أيش؟؟ عشان شبابه وإلا جماله؟؟!!.....والله راح أنظفه لك تنظيف.....
قالت أمها: عشتي.....هذا اللي أبيه.....ولا تنسين تطلعين مرته......
قالت ريما: هذا أول شي راح أسويه....هذا اللي بقي.....أشارك ها العجوز بيتي.....
كانت ريما فتاة تبلغ الثامنة عشر من العمر من عائلة متوسطة الحال تطمح للغنى والمناصب.....تركت الدراسة منذ كانت في المتوسطة فكل ما كانت تريده هو الزواج من شخص غني وكفى......
أما عن شكلها فقد كانت قصيرة ومملوءة الجسم وبيضاء البشرة ذات شعر أسود متوسط الطول......كانت ملامح وجهها متوسطة الجمال بأنفها المسطح بعض الشيء وفمها الصغير وعيونها المتوسطة الحجم والتي كانت تشابه في شكلها عيون القطط......كما كانت تهتم بأناقتها وشكلها وتملك لساناً معسولاً ونوايا أنانية....
كان سعد قد أخرج زوجته من داخل المنزل وأسكنها في أحد الملاحق حالها كحال الخادمة في البيت حتى يفرغ المكان لعروسة الجديدة......
دقت الطبول وقدمت الولائم في قصر الأفراح حيث أقام سعد زواجه على ريما.....كان حفلاً ضخماً حضره الجميع......
جلست فاطمة في الملحق تعيد شريط حياتها في ذاكرتها......معاناتها وشبابها الذي ضاع وبماذا خرجت؟؟ حقيبة ملابس باليه وغرفه 3×4.....
عاد مازن بعد شهرين لزيارة فاطمة في إجازة.....
عندما طرق باب المنزل فتح له السائق الهندي وقال مرحباً: مستر مازن.....يا مرحبا....
ابتسم مازن حتى ظهرت الغمازة في خده الأيسر وقال: مرحبا حسن....
أخذ حسن حقيبة مازن إلى الملحق حيث وجد غرفته على ترتيبها وكانت رائحة العود تملئها......
لم يخبر فاطمة أنه قادم لأنه أراد أن يفاجئها.....ولكنها منذ سافر كانت تأتي إلى غرفته كل يوم لتبخرها.....
قال السائق حسن لمازن: مستر عنده ضيوف....
قال مازن: ايه شفت سيارات عند الباب....منهم الضيوف؟؟
قال السائق حسن: بابا حق مدام جديد.....
قال مازن: وأمي وين هي الحين؟؟
قال السائق حسن: ماما كبير في ملحق حريم....
صر مازن على أسنانه بغضب فلم تخبره فاطمة بأن سعد أسكنها في الملحق عندما كلمها آخر مره فلم ترد أن تشغل باله......
ذهب مازن فوراً وسلم على فاطمة.....
قالت مازن لفاطمة: ليه يا يمه ما قلتي لي عن حالك؟؟
قالت فاطمة: حالي بخير ولا تشيل هم يا ولدي.....أنا تعودت على عمك......والحمد لله على كل حال....انت طمني عليك.....
جلس مازن يحدث فاطمة عن حياته الجديدة وعن دراسته بعدها خرج إلى سيارته فقد نسي سجائره هناك وكان بحاجة لأن يدخن حتى يخفف من غضبه لأن فاطمة ترجته أن لا يتهور مع عمه ولم تدعه حتى حلف لها بأنه لن يفتح معه أي موضوع....
وهو واقف أمام سيارته في الخارج رأى الضيوف يغادرون المنزل وسقطت السيجارة من يده في صدمه.....فقد رأى عمه يصافح رجلاً ويناديه بالنسيب وأيقن مازن أن ذلك الرجل هو والد زوجة عمه الجديدة......
والد وليــــــد!!!!
عندما ذهبوا الضيوف دخل مازن المنزل ولم يتحدث مع عمه أو حتى يسلم عليه......جلس في غرفته يرتب أغراضه فقد كان مازن شخص يحب النظام والنظافة منذ الصغر.....
في الصالة جلس سعد مع زوجته الجديدة وقال لها: ريما لا تطلعين لقسم الرجال.....مازن هناك....يا بعدي انتي....
قالت ريما في قلبها طبعاً بعدك أجل تبي عقب ها العمر عمر!!!
قالت ريما: ومنهو مازن هذا يا قلبي؟؟
قال سعد: هذا ولد أخوي....
قالت ريما: وش جايبه هنا؟؟
قال سعد: رحمته وكفلته من عقب ما ماتوا أمه وأبوه لأنه ماله أحد غيري وسكنته بالملحق عندي.....
قالت ريما: والله قلبك أبيض يا عمري.....طيب وها المازن هذا وين كان أول؟؟ يعني هذي أول مره يجي هنا.....
قال سعد: ساكن بالرياض.....دخل الجامعة هناك ويدرس طب.....
بعدما انتهت ريما من الحديث مع زوجها ذهبت لتكلم أمها.....
قالت ريما: يمه أبو سعد عنده ولد أخو واليوم جا....
قالت أمها: مازن رجع؟؟
قالت ريما مستغربه: أشوف تعرفين اسمه!!
قالت أمها: ايه وأعرف أمه بشرى الله يرحمه.....كانت زميلتي بالدوام يوم كنا ندرس......وش جابه؟؟
قالت ريما: جاي باجازة على قوله سعد.....ويبي يقعد هنا فتره لأنه ماله أحد غير عمه.....سعد قالي انه كفله يوم كان يتيم وسكنه عنده لأن ما كان لمازن أحد بالدنيا غيره فرحمه.....
ضحكت أمها وقالت: وعساك صدقتيه!!!
قالت ريما مستغربه: وليه؟؟
قالت أمها: سعد زوجك كان ساكن أول ببيت شعبي يا الله من فضلك..... ويوم مات أخوه كوش على حلاله كله......
قالت ريما في ذهول: يعني ها البيت وها الفلوس لأبو مازن؟؟
قالت أمها: ايه...
قالت ريما بخوف: لااااااااا.....يعني كل شي يبي يروح؟؟
قالت أمها: وليه؟؟
قالت ريما: يعني ليه بعد!!! أكيد مازن راح يطالب بحلاله.....
قالت أمها: لا تخافين.....عمه زور كل شي وما عند مازن أي إثبات والا كان مبطي كشت عمه من البيت وقاله طريقك وطريق الكلب واحد.....
قالت ريما: بس ولو.....أنا لازم أخلي سعد يكتب كل شي باسمي ويطرد مازن من البيت.....ما أقدر أعيش بخوف.....لأن ها الشايب تعبان وأخاف يموت بأي لحظة وأنا ما خذيت منه شي.....وأخاف مازن يجي ويخلص على كل اللي بنيته.....
قالت أمها: هذي عاد شغتلك.....تصرفي.....
في تلك الليلة جلست ريما في غرفتها تتزين وتردي قميص نومها.....عندما دخل سعد عليها ورأى منظرها أخرج حبه زرقاء من جيبه وبلعها حتى من دون ماء......
اقترب منها سعد فابتسمت وقال: شوي بس.....
فك طقم أسنانه ووضعه في كوب ماء بجانب سريرة......فشعرت ريما بحرقه القيء في حلقها وبلعته بصمت ثم قالت في نفسها كله يهون بس أوصل للي أبيه......
جلست ريما على طرف السرير وهي تتأفف فقال سعد: وث فيه يا قلبي؟؟
(كان لا يستطيع نطق الشين فليس في فمه سوى لثته)
قالت ريما: أنا خايفه....
قال سعد: من وثو؟؟
قالت ريما: مالي ضمانه في الدنيا.....
قال سعد: وأنا؟؟
قالت ريما: أنت لك قلبي يا بعد قلبي.....بس أنا ودي أحس إني راعيه بيت......
قال سعد: والبيت هذا؟؟
قالت ريما: ماهو بيتي.....
قال سعد: إلا بيتك....
قالت ريما: بيتي بالكلام وبس.....إذا هو فعلاً بيتي ليش ماهو باسمي؟؟
قال سعد: اتركي عنك ها الكلام.....
قالت ريما بغضب: اترك عني ها الكلام؟؟!! يعني ماهو عاجبك كلامي؟؟!!!
قامت ريما من السرير لتخرج من الغرفة فمد سعد يده الناحلة والمكسوة بالجلد المتدلي وأمسكها وقال: خلاث....لك اللي تبينه بث ارجعي للفراث.....
وفي الغد نفذ سعد وعده لريما وكتب البيت باسمها وأحضر لها ورقة ثبت ملكيتها للمنزل.....فرحت ريما وشعرت بأنها أخيراً اقتربت من هدفها......فالمنزل ليس هو كل ما تريد.....كانت تريد كل شيء....فلم تتحمل سعد بكبر سنه وقذارته ونتانة رائحته من أجل المنزل فقط......
خرج سعد في المساء من المنزل ليذهب إلى الديوانية حيث يتباهى أمام أصحابه هناك بزواجه من فتاة شابه تجدد عمره......فعندما يكبر بعض الرجال ويرون القبر يقترب يحاولون الزواج من فتيات صغار حتى يمتصوا الحياة منهن.....
استغلت ريما فرصة غياب سعد وذهبت للملحق حيث كانت فاطمة جالسة تحضر الشاي والقهوة لها ولمازن والذي كان في قسم الرجال يلعب كره السلة......
دخلت ريما وقالت بكل وضاعة لفاطمة: هيه انتي....
قالت فاطمة: عيب يا بنتي تكلمين معي كذا أنا بحسبه أمك.....
قالت ريما بكل حقارة: تخسين تكونين أمي......اسمعي ضفي أغراضك ومن بكرا أبيك تطلعين من بيتي.....البيت هذا صار باسمي ومالك مكان فيه.....سمعتي!!!!
خرجت ريما من الملحق وصفعت الباب خلفها....
كان مازن يستحم عندما سمع صوت باب ملحقه يطرق بشده.....فخرج من دوره المياه ولف المنشفة حول وسطه......كان قد وصى السائق حسن أن يحضر له بعض السجائر من المحل واستغرب لماذا يطرق عليه الباب بهذا الشكل.....
فتح مازن الباب وتفاجأ عندما رأى امرأة متغطية بوشاح صلاة واقفة أمامه.....
كانت ريما قادمة لتعطي مازن نفس الخطاب الذي أعطته فاطمة من قبل ولكن الكلمات تسربت من عقلها عندما رأت مازن فهذه أول مره تراه فيها وصدمها ما رأت.....فعندما تزوجت سعد توقعت أن الدمامة متوارثة في العائلة ولكن شكل مازن محا كل ما تؤمن به عن الوراثة.....
قال مازن مستغرباً: نعم!!!
قالت ريما: أنا ريما.....مرت عمك وجيت أسلم.....
نظر مازن إليها فهذه أخت وليد الذي قتله قبل عامين.....قال مازن في نفسه وش اللي جابك علي.....
قال مازن بجفاف: واللي يجي يسلم يطق الباب بها الشكل؟؟
قالت ريما: آسفه....
أغلق مازن الباب في وجهها وذهب ليرتدي ملابسه......
عادت ريما إلى غرفتها وجلست في صمت.....كان كل ما يشغل تفكيرها هو صورة مازن بوجهه الذي ينضح جاذبية......و منظره وقطرات الماء تنحدر من شعره على جسمه المفتول الفتي......وهي غارقة في تخيلاتها دخل سعد الغرفة ووضع غترته وطاقيته على النشابة لتظهر صلعته المنقطة ببقع كبر بنيه وحولها بعض الخصلات البيضاء......
ثم خلع ثوبه ليظهر منظراً أشد وطأة من ذي قبل......فشكله بالملابس القطنية يذكرها بشكل الطير منزوع الريش بذراعيه وقدميه الهزيلتين وبطنه المتدلي......كما كان أشبه بالسلحفاة برقبته المتهدلة......
وفوق كل هذا لم يكن يؤمن بالنظافة الشخصية فقد كانت رائحته أشبه بمن خرج لتوه من قمامة.....فالغنى لم يغير من عاداته القديمة شيئاً.....ولم يكن من النوع الذي يشتري ملابس جديدة أو عطور أو عود أي شيء قد يحسن من منظره......لأنه من الأشخاص الذين يؤمنون بأن الزينة والنظافة للمرأة فقط حتى يخلقوا لقذارتهم عذراً.....
وتذكرت ريما شكل مازن وتمنت لو أن الأرض انشقت وبلعتها.....
عندما دخل مازن على فاطمة وجدها مهمومة فقال بلطف: وش اللي مشغل بالك يا ست الحبايب؟؟
قالت فاطمة وهي تحاول كبح الدموع: ولا شي يا ولدي.....
قال مازن: يمه....وش اللي صار؟؟ ها الخسيس متعرض لك؟؟
قالت فاطمة: لا يا ولدي....بس خلاص أنا مالي مقعاد بها البيت.....
قال مازن بحزم: يمه هذا بيتك.....وما فيه شي يقدر يطلعك منه.....وإذا ها الحيوان قالك شي أنا اللي أتصرف معه.....
جلست ريما في الصباح على الفطور مع سعد.....كان أكثر ما يقرفها فيه فوق منظره كانت الطريقة التي يأكل بها.....فقد كان يمضغ بصوت عال مع طقم الأسنان الذي يرتدي وكان يجب على ريما تحضير مأكولات لينه حتى يستطيع هضمها.....على الرغم من وجود خادمات في المنزل إلا أنه لا يأكل إلا من يدها من باب الدلع وتمنت لو أنها حملت الطاولة بما عليها وكسرتها على رأسه.....
قالت ريما لسعد: فاطمة يمكن تطلع من البيت.....
قال سعد: أحسن فكه.....خله تروح عند عيال أخوه بالحفر وش تسوي هنا.....وحتى تفكن من مازن مره وحده.....
قالت ريما: وليه وش دخل مازن به؟؟
قال سعد: هو ما يجي هنا إلا عشانه لأنه هي اللي ربته.....وإذا راحت يصير ماله سبب يجي عندنا.....وخلاص نفتك من شوفه وجهه هنا مره ثانيه.....
قالت ريما بارتباك: هاه...
قال سعد: وش فيه يا بعد عمري؟؟
قالت ريما: لا ولا شي يا قلبي كمل فطورك.....
ذهبت ريما على الفور إلى ملحق النساء حيث كانت فاطمة.....
قالت ريما لفاطمة: آسفه على اللي حصل البارح.....ما أدري وش اللي خلاني أقول اللي قلته وأبيك تنسين اللي حصل وتجلسين هنا....
قالت فاطمة: والله يا بنتي ما ودي أضيق على أحد......
قالت ريما من وراء قلبها: لا انتي مضيقه ولا شي.....
قالت فاطمة بطيبه قلب: اجلسي يا بنتي تقهوي معي...
جلست ريما فقد كانت تريد كسب فاطمة بأي شكل.....
طرق مازن باب الملحق ودخل كعادته حتى يفطر مع فاطمة ليجد ريما جالسه معها.....
كانت هذه أول مره يرى فيها وجهها ولكنه عرف من تكون على الفور من عيونها والتي كانت نسخه عن عيون أخيها وليد......
أدار مازن ظهره على الفور وخرج.....
ثم أخذ سيارته وأخذ يجوب المدينة حتى يصفي ذهنه......فرؤيته لريما أعادت إليه ذكريات كان يحاول دفنها منذ زمن.....لم يندم ولو للحظة على قتله لوليد ولكنه يريد المضي في حياته بعيداً عن كل ذكرى تربطه بالماضي......
ولم يعد إلى المنزل سوى في المساء.....
وعندما سمعت ريما صوت سيارته طلت من نافذتها والتي كانت تفتح على قسم الرجال لتراقب مازن وهو يمشي إلى الملحق......
التفت مازن حالما سمع صوت النافذة تفتح ليرى ريما واقفة تحدق فيه من نافذتها.....كانت ترتدي قميص نوم أسود فاضح ولم تتحرك من مكانها عندما التفت مازن إليها بل وقفت تبتسم له.....
أدار مازن ظهره لها ودخل غرفته.....
وفي الغد جلس يفطر مع عمته فاطمة والتي لم تتوقف عن الحديث عن ريما وطيبه ريما......رأى مازن في عمته البراءة والطيبة التي قادت الكثير من الناس لاستغلالها.....كان يعلم تماماً لماذا بدأت ريما تعامل فاطمة بهذا الشكل فهو على معرفة تامة بنوع العائلة التي تنتمي لها.....
قالت فاطمة: وقالت لي إنها فرحانه بقعدتي ببيتها....
قال مازن مستغرباً: بيتها؟؟!!
تنهدت فاطمة وقالت: ايه...تقول سعد كتب البيت باسمه.....بس الحمد لله طلعت طيبه والا كان أمداه رحلتن......
قال مازن: كل ها السرع خلته يكتب البيت باسمه.....والله ما هي بسيطة........
قال مازن في نفسه.... بس على من؟؟!!....
في المساء جلس مازن يدخن في باحة المنزل أمام الملحق عندما رأى ريما قادمة في اتجاهه مرتديه تنوره جينز قصيرة وقميص قطني وردي.....
قال مازن دون أن ينظر إليها: أشوفك تركتي الغطوة....
قالت ريما: فاطمة ما تتغطى عنك.....
قال مازن: لأنه أمي.....
قالت ريما: اللي أعرفه انه مرت عمك زيي زيه....
قال مازن: انتي لا يمكن تكونين زيه....
قالت ريما: طبعاً.....لأني صغيرة وحلوه....
قال مازن: صغيرة يمكن.....بس حلوة ما اعتقد....
وقفت ريما غاضبه وقالت: أنا مو حلوة؟؟ ليه مو ماليه عينك؟؟
نظر مازن إليها من رأسها حتى قدميها وقال: حاولي تخففين وزنك شوي ويمكن أعيد النظر.....
جن جنون ريما وعادت إلى داخل المنزل وهي تستشيط غضباً.......
يتبع....